أثار تقرير نشره مؤخرا اتحاد المستهلكين العضويين في أمريكا مخاوف كبيرة
في دول عربية لأنه كشف عن وجود أكثر من 20 سلعة أمريكية الصنع تحمل مادّة
«الديوكسين» (Dioxine) المتسببة في السرطان يتم تصديرها الى الدول
العربية، وقال التقرير ان من بين هذه السلع نجد مستحضرات التنظيف والتجميل
والمواد الغذائية وأغذية الأطفال والرضع...
وفي إيطاليا، أثيرت في الأيام الأخيرة أزمة «الموزاريلا» (أحد أنواع
الأجبان) الحاملة لمادة «الديوكسين» والتي يوجّه جانب هام منها للتصدير
وبما أن تونس تعدّ قبلة لعدّة منتجات عالمية ومصنّعة في الخارج (مثل مواد
التجميل والتنظيف والمواد الغذائية بأنواعها خصوصا الفلاحية والحيوانية
وأغذية الرضع) خاصة في ظل انفتاح سوقنا على الأسواق الأجنبية، فإن كثيرين
تساءلوا عن المخاطر التي يمكن أن تهدّدنا في صورة توريد احدى هذه
المنتوجات الأجنبية «المسرطنة» أو في صورة تسرّب «الديوكسين» الى
منتوجاتنا الصناعية أو الفلاحية بعد أن يتكون في التربة بفعل احدى عمليات
الحرق...
وتشتكي أغلب الدول من خطر «الديوكسين» خاصة الدول الأوروبية (بسبب ترسّب
المادة منذ بداية وأواسط القرن الماضي الناتج عن المنشآت الصناعية
التقليدية) والدول العربية والخليجية التي تستورد كميات هامة من منتوجات
هذه الدول... حيث ترتفع نسبة الاصابة بالسرطان من سنة الى أخرى، ويظهر
«الديوكسين» الى جانب الأسباب الأخرى (التدخين خاصة) ضمن قائمة مسببات
السرطان.
* «سيدا» كيمياوية
«الديوكسين» (Dioxine) هو مادّة كيمياوية خطيرة على صحّة الإنسان تنتج إما
تلقائيا إثر عمليات الحرق (حرق الفضلات ـ احتراق الغابات ـ المحروقات
الصناعية) وتمرّ إثر ذلك إلى التربة وإلى المياه العميقة (الموائد
المائية) أو الجارية (الأدوية) ثم تمرّ إلى الحيوان (عبر الأعشاب والمياه
التي يتناولها) أو إلى النباتات، وفي الأخير تمرّ إلى جسم الإنسان بعد أن
يتناول لحوم هذه الحيوانات أو حليبها ومشتقاته أو بيضها (بالنسبة للطيور)
أو الأسماك، أو كذلك بعد أن يتناول احدى الخضر أو الغلال أو الزيوت
النباتية. أو تمرّ إلى الرضيع عبر حليب الأم وذلك في صورة تعرّض جسم الأم
لهذه المادة، كما تنتج مادة «الديوكسين» بفعل الإنسان حيث يتم استخراجها
من البترول لاستعمالها في صناعة مواد التنظيف والتجميل (شامبوان ـ مزيل
عرق ـ معجون أسنان ـ صابون..) وخاصة لإذابة المواد الصّلبة.
ويسمى «الديوكسين» لدى أهل الاختصاص بـ»السيدا الكيمياوية» باعتباره يسبّب
السرطان (خاصة سرطان المعدة والجهاز الهضمي) والاضطرابات الهرمونية
الخطيرة مثل تأنّث الأجنة والتأثير على خصوبة المرأة والرجل والتخفيض من
قوّة مناعة الجسم والأمراض الجلدية والاضطرابات العصبية والسكري وأمراض
الكلى والقلب والكبد وأمراض العيون والشعور بالارهاق وتشوه الجنين أو
التسبب له في إعاقة.
ويمثل الغذاء 90 من طرق مرور «الديوكسين» إلى جسم الإنسان ويمثل الهواء
نسبة قليلة في ذلك (10) ولا يقدر جسم الإنسان على التصدي لها وتفاديها،
كما أنها لا تموت أبدا في صورة استقرارها في الأرض أو في الماء.
وحددت المنظمة العالمية للصحة الحدّ المسموح به لتسرّب «الديوكسين» في جسم
الإنسان وهو 1 بيكتوغرام (Pictogramme) في الكلغ الواحد من الجسم في
اليوم، غير ان الأطفال إلى حدّ سن التاسعة معرضون للإصابة بـ 2 أو 3
بيكتوغرام بسبب تناولهم بكثرة الحليب ومشتقاته في هذه السنّ، وبعد ذلك
يعودون إلى المعدل العادي.
وعند الكبار يمكن أن يصل المعدل إلى حد 3 بيكتوغرام ولكن يجب الانتباه إلى
ذلك والعمل على الحدّ من هذا المعدل، أي أن المنظمة العالمية للصحة تسمح
بأن يكون هذا الارتفاع ظرفيا فحسب، ويشار إلى أن الدول المصنّعة تراجعت
فيها نسب الاصابة إلى أقل من 50 منذ التسعينات بسبب تطوير وسائل حرق
الفضلات عندها وتخليها عن الاحتراق الصناعي المباشر لبعض المواد وتعويضه
باحتراق آخر متطور لا يطال التربة والماء. وتحتوي مادة الديوكسين على 200
جزئية (molécules) لكن أخطرها على الإنسان يبلغ عددها 17 أهمها «SEVESO»
و»TCDD» و «Pyrolène».
* رقابة... لكن
في تونس، تعمل الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية على متابعة
المخاطر التي يمكن ان تحصل جراء الاخلالات الممكنة بقواعد الصحة والسلامة
على مستوى المنتوجات الاستهلاكية وأيضا على مستوى البيئة والمحيط.
وينطلق عمل الوكالة ـ بالنسبة للمنتوجات المورّدة ـ من الديوانة وذلك
بمناسبة وصول هذه المنتوجات الى الموانئ أو الى المطارات أو الى بوابات
الحدود البرية، حيث يتم اقتطاع عينات منها وإحالتها على المخابر المختصة
مثل المخبر الوطني لمراقبة الأدوية ومواد التجميل (تابع لوزارة الصحة
العمومية) او المخابر الاخرى التابعة لوزارات الفلاحة او الصناعة او
البيئة وذلك حسب نوعية المنتوج.
فمثلا بالنسبة للّّحوم بأنواعها والحليب ومشتقاته والخضر والغلال
والأسماك... تتم مراقبتها في مخبر تابع لوزارة الفلاحة، وبالنسبة لبعض
السلع الاخرى يقع اختبارها في مخابر وزارة الصناعة او مخابر وزارة البيئة.
وتتمّ العملية نفسها بالنسبة للمنتوجات المحلية التي تخضع باستمرار
للرقابة الصحية والعلمية للإطلاع على مدى ملاءمتها لشروط الصحة والسلامة.
وفي ما يتعلق بمراقبة «الديوكسين»، علمنا أنه تمّ إحداث لجنة وطنية للغرض
منذ سنوات خاصة بعد أزمات عالمية حصلت في هذا الاتجاه وشكلت خطرا على صحة
الانسان مثل أزمة إصابة لحوم الدواجن بهذه المادة في نهاية التسعينات
ببلجيكا أو الأزمات التي تحصل من حين الى آخر في بعض المدن الأوروبية
والتي تؤكد إصابة سكانها بالسرطان جرّاء تعرّض منتوجاتها الفلاحية
للديوكسين..
وتعمل هذه اللجنة على إجراء التحاليل والمراقبة على المنتوجات الموردة
والمنتوجات المحلية وعلى الوقاية من تكوّن «الديوكسين» في الأراضي
الفلاحية أو في المائدة المائية ببلادنا وذلك بالحدّ من كل الأسباب
المؤدية لذلك مثل تجهيز المستشفيات بمحارق متطورة للتخلص من فضلاتها
الخطيرة وتجهيز مصاب الفضلات الكبرى بوسائل علمية لمعالجة الفضلات قبل
حرقها أو بتعويض الحرق بوسائل أخرى.
غير أن بعض الاخلالات تحصل من حين الى آخر مما يسبب تكون «الديوكسين» في
بعض الأراضي أو تسرّبه للمائدة المائية قبل انتقاله للحيوان والنبات
ومنهما الى جسم الانسان.
ومن جهة أخرى، فإن بعض المنتوجات المورّدة ـ تبقى رغم الوقاية والاحتياط ـ
مصدرا حقيقيا للخطر في ظلّ استحالة إجراء التحاليل على كل المنتوجات
الموردة (لأن العيّنات تكون أحيانا غير كافية لوحدها) وفي ظلّ دخول بعض
المنتوجات إلينا بطرق غير شرعية (التهريب) وأيضا في ظلّ تهرّب بعض
المنتجين المحليين (الصناعيين والفلاحيين) من الخضوع لإجراءات الرقابة
الصحية وللتحاليل اللازمة.. وفي بعض الأحيان يقع اكتشاف مخاطر أحد
المنتوجات بعد أن يُعرض في الأسواق، أي عندما تقع المراقبة على مستوى
مسالك التوزيع لا على مستوى الانتاج أو التوريد.